add image adstop
News photo

غــزة أرض الرباط والبشارة بين نصوص النبوة وملاحم الواقع

 

 

بقلم د/سماح عزازي 

 

في قلب المأساة التي تعصف بأرض غـزة، وبين ركام البيوت، وصدى الدعاء، ونحيب الثكالى، تتردد على ألسنة المؤمنين كلمات من نور، تستمد عزاءها وبقاءها من وعودٍ نبوية، ونصوص ربانية، تُبشر بالنصر، وتمتد بجذورها إلى تاريخ هذه الأرض المباركة منذ أن وطئتها أقدام الأنبياء والمرابطين والشهداء.

 

لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون:

هل وردت أحاديث صحيحة في فضل غــ، زة أو عسقلان؟ وهل هناك نبوءات نبوية عن "مقتلة" في غـ، زة في آخر الزمان؟ وما مدى صحة ما يُنشر من روايات على لسان النبي صل الله عليه وسلم حول هذا الموضع؟

 

في هذا المقال، نحاول عرض النصوص النبوية الصحيحة، ثم نستعرض الروايات الأخرى الضعيفة والمنسوبة لعسقلان وغـ، زة، مع التحليل العلمي، وبيان ما يصح منها وما لا يصح.

 

أولًا: غـ، زة في التاريخ الإسلامي والنبوي

مدينة غـ، زة تقع في الساحل الجنوبي الغربي من بلاد الشام، وكانت historically تابعة لمنطقة عسقلان الكبرى، حتى عام 1947، ولهذا نجد في الروايات والمصادر الإسلامية ذكر عسقلان عند الحديث عن هذا الموضع الجغرافي، والذي يشمل غـ، زة وما حولها.

 

وقد سكن غـ، زة عدد من الصحابة والتابعين والعلماء، ومن أبرزهم الإمام الشافعي، الذي قيل عنه: "أنا من عسقلان" وقيل "أنا من غـ، زة"، لأنها كانت جزءًا إداريًا من تلك المنطقة.

كما كانت غـ، زة ثغرًا من ثغور الرباط، وكان أهل العلم والحديث والمجاهدون يرابطون بها طلبًا للأجر، امتثالًا لقوله صل الله عليه وسلم:

"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" – [رواه البخاري ومسلم].

 

ثانيًا: النصوص النبوية الصحيحة عن الشهادة والرباط في الثغور

رغم عدم وجود حديث صحيح صريح يخص غزة أو عسقلان بالاسم في فضيلة خاصة، فإن هناك أحاديث صحيحة عامة تشملها وتدخل فيها من حيث المعنى، ومنها:

 

1. فضل الشهادة في سبيل الله:

قال الله تعالى:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]

 

وقال النبي صل الله عليه وسلم:

"من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون نفسه فهو شهيد" – [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

2. فضل الرباط في الثغور:

"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة، خير من الدنيا وما فيها" – [رواه البخاري].

 

3. بشارات آخر الزمان وظهور الفسطاطين:

"تكون فتنة، فيصير الناس فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه..." – [رواه أحمد وصححه الألباني].

 

وهذه بشارة عظيمة أن الفرز الحاسم بين الحق والباطل سيكون واضحًا، والنصر سيأتي بعد شدة وابتلاء وتمحيص.

 

ثالثًا: الأحاديث الضعيفة في فضل عسقلان وغــ، زة

وردت بعض الأحاديث المنسوبة للنبي صل الله عليه وسلم، تذكر فيها "عسقلان" بالاسم، وتربطها بالبشارات والنصر والشهداء، لكن أغلبها ضعيف السند أو لا يصح رفعه إلى النبي. ومع ذلك، فإن معانيها لا تخالف العقيدة، وقد تُذكر على سبيل الاستئناس والتثبيت، لا على سبيل الاستدلال القطعي.

 

الحديث الأول:

"عسقلان أحد العروسين، يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله..."

 

الرواية: أخرجها ابن عساكر والدارقطني.

الحكم: ضعيف، لوجود رواة متكلم فيهم، مثل عبد الله بن صالح كاتب الليث.

 

الحديث الثاني:

"أن النبي صل الله عليه وسلم صلى على مقبرة، فقيل له: يا رسول الله، أي مقبرة هي؟ قال: مقبرة بأرض العدو، يقال لها: عسقلان، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد..."

 

الرواية: الدارقطني في "المخرج على الصحيحين".

الحكم: ضعيف السند، ولا توجد له شواهد ترفعه إلى درجة الصحة.

 

الحديث الثالث:

عن عطاء الخراساني: "بلغني أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: رحم الله أهل المقبرة... تلك مقبرة تكون بعسقلان"

 

الرواية: أوردها سعيد بن منصور في "سننه" بإسناد مرسل.

الحكم: أثر مرسل، أي من قول التابعي، وليس حديثًا مرفوعًا للنبي.

 

رابعًا: لماذا يُستأنس بهذه الروايات رغم ضعفها؟

الجواب باختصار: لأن معانيها لا تخالف ما ثبت في الدين، بل تؤكد على ما ورد في النصوص الصحيحة من فضل الرباط والشهادة والثبات. ولأن فضائل الأماكن قد تُروى فيها أحاديث ضعيفة إذا لم تكن مخالفة للثابت ولم يُعتمد عليها في العقيدة، كقول العلماء: "يُروى في الفضائل ما لا يُروى في الحلال والحرام".

 

خامسًا: الواقع يُصدق البشارة

ما يجري في غــ، زة اليوم من صبر وجهاد وثبات على الرغم من الحصار والخذلان والتآمر العالمي، هو شاهد عيان على هذه النبوءات.

 

النفاق قد انكشف، وفسطاط الإيمان قد ظهر.

الخذلان العربي والدولي علامة على قرب الفرج، كما في أحاديث الملاحم.

 

الثبات الأسطوري لأهل غزة يُشبه ما وصفت به الأمة المنتصرة في آخر الزمان.

 

خاتمة:

غـ، زة وعسقلان قد لا يكون لهما نص خاص ثابت في كتب الحديث الصحاح، لكنّ فضل الرباط والشهادة والثبات، والنصوص التي تبشر بظهور أهل الإيمان في الملاحم، تشملهم وتبشرهم.

 

أهل غــ، زة اليوم، على خطى المجاهدين الأوائل، وربما يكونون ممن قال فيهم رسول الله صل الله عليه وسلم:

 

"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" – [رواه البخاري ومسلم].

 

اللهم انصر أهل غــ، زة، وثبت أقدامهم، واجبر كسرهم، وتقبل شهداءهم، واكتب لنا معهم موقفًا مشرفًا عندك.

 

ملاحق:

 

المصادر والمراجع: 

 

صحيح البخاري ومسلم

 

سنن الترمذي والنسائي

 

"المعجم الكبير" للطبراني

 

"سنن سعيد بن منصور"

 

"تاريخ دمشق" لابن عساكر

 

"الضعفاء" للدارقطني

 

فتاوى الألباني

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا

الأعلى