add image adstop
News photo

هكذا يخطط للتعليم و مستقبل فرص العمل

وجهت القيادة السياسية مؤخرا وزارتي التعليم في مصر نحو التوسع في التخصصات التقنية و الحوسبة السحابية و الذكاء الاصطناعي و غيرها من البرامج الدراسية التي تهدف لاكساب الطلاب المهارات الرقمية المطلوبة لفرص عمل المستقبل، و هي توجيهات في محلها و في وقتها أخذا في الاعتبار تغير خرائط الاقتصاد و توزيع القوي العاملة عالميا بفعل الثورة الصناعية و متطلبات الاقتصاد الرقمي و الأخضر.

لكن هذه التوجيهات علي أهميتها لا يجب أن نتناولها أبدا في معزل عن القضية الأساسية و هي كيف نخطط لتعليمنا الجامعي و قبل الجامعي لكي يفي بمتطلبات سوق العمل كما و كيفا و توقيتا من اليوم و حتي عام ٢٠٥٠ و ما بعدها، و لا يتأتي ذلك الا وفق بناء منظومة متكاملة لمعلومات سوق العمل LMIS المحلي و الاقليمي و الدولي علي المدي القريب و المتوسط و البعيد، لكي نستطيع التنبؤ من خلالها باحتياجات القطاعات الاقتصادية المختلفة من القوي العاملة كما و كيفا و توقيتا من اليوم و الي ٥٠ عاما قادمة، ثم نعود للمؤسسات التعليمية من خلال التغذية الراجعة بنتائج الدراسات المستقبلية و المعلومات عن مستقبل فرص العمل، و من ثم تقوم المؤسسات التعليمية بواجبها في تصميم و اعادة رسم خرائط البرامج الدراسية و التعليمية المختلفة لكي تستطيع من خلالها توفير الخريجين المؤهلين لشغل تلك المهن و الوظائف المستقبلية بالكم و الكيف المطلوبين و في التوقيت المناسب.

و سوف أضرب لكم مثلا عمليا من خلال توجيهات القيادة السياسية الأخيرة فيما يخص فرص عمل المستقبل في قطاع تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و هو المعروف اختصارا ICT باللغة الانجليزية. في دراسة مهمة نشرت عام ٢٠١٩ كان ترتيب الدول العشر عالميا من حيث نسبة العاملين في مجالات تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات الي باقي القوي العاملة كالتالي: تايوان في المقدمة بنسبة تربو علي ٩٪؜ من مجمل قوتها العاملة، تليها ماليزيا بنسبة ٦٪؜ ثم اسرائيل و كوريا بنسبة ٥٪؜ ثم أستونيا و مالطا بنسبة ٤٪؜ ثم أيرلندا و فنلندا و لوكسمبورج و السويد بنسبة ٣،٥٪؜ لكل منها. أما عن مصر و هي ما يهمنا في هذا المضمار فقد بلغت نسبة العاملين في مجلات تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات عام ٢٠٢٣ ما يربو علي ١٪؜ فقط من اجمالي القوي العاملة في مصر، فاذا كان اجمالي عدد القوي العاملة في مصر يقترب من ٣٠ مليون فرد وفق أحدث الاحصائيات، فهذا يعني أن عدد المشتغلين في مجالات تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات يبلغ نحو ٣٠٠ الف فرد.

بناء علي كل ما تقدم و أخذا في الاعتبار خطط الدولة المصرية للتوسع في تأهيل العمالة المطلوبة لتلك التخصصات الحيوية في تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و الذكاء الاصطناعي و غيرها، لكي نرتفع بها من ١٪؜ فقط حاليا (٣٠٠ الف فرد) من اجمالي القوي العاملة (٣٠ مليون فرد) الي ٥٪؜ عام ٢٠٥٠ مثلا، فيكون لزاما علي مؤسسات التعليم المختلفة أن تعيد ترتيب اوراقها و برامجها لكي ترتفع بعدد الخريجين المؤهلين من نحو ٢٠ الف خريج سنويا من الكليات و المعاهد المتخصصة في الحاسبات و تكنولوجيا المعلومات الي نحو ٥ اضعاف بما يعادل ١٠٠ الف خريج سنويا عام ٢٠٥٠، فاذا كان العدد الحالي لتلك الكليات و المعاهد يقترب من ١٠٠ كلية و معهد، فيكون لزاما علي المؤسسات التعليمية الجامعية و قبل الجامعية مضاعفة عدد الكليات و المعاهد المعنية ٥ مرات أو مضاعفة القوة الاستيعابية للكليات و المعاهد الحالية خمس مرات أو الجمع بين الاسلوبين، علي أن يتواكب مع ذلك اعداد أطقم التعليم و التدريب المؤهلة و المدربة، و تزويدها بالادوات التعليمية و اللوجستية اللازمة، لكن في ذات الوقت الذي سيكون مطلوبا منا فيه تأهيل ١٠٠ الف فرد سنويا في مجالات تكنولوجيا المعلومات عام ٢٠٥٠ سيكون لزاما علينا تأهيل نحو مليوني فرد سنويا لباقي الوظائف و المهن بالشكل اللائق، و علينا ان نتذكر ذلك دائما و أن نعمل من أجله.

ختاما هذا هو الاسلوب الذي تتبعه معظم النظم التعليمية في العالم في تخطيطها التربوي و التعليمي لكي تستطيع تأهيل قوي العمل كما و كيفا و في التوقيت المناسب لشغل فرص العمل الجديدة التي ستتيحها الثورة الصناعية الرابعة بكل متطلباتها الرقمية و الخضراء، و ليس لدي الدول و الحكومات أي فرصة للتلكؤ أو ضياع المزيد من الوقت.

د أحمد الجيوشي

نائب وزير التعليم والتعليم الفني سابقا

:

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا

الأعلى