add image adstop
News photo

الردّ الإيراني على العدوان الإسرائيلي… وتحوّل معادلات الشرق الأوسط

 

بقلم د/سماح عزازي

 

"تسمعُ بالمعركة، لا كمن خاضها، 

وشرّ الحروب، ما يُستفزّ بلا حكمة" 

ــ مأثور عربي قديم

 

في جغرافيا مشبعة بالتوتر، تُحكم فيها العلاقات الإقليمية لا بالقانون الدولي، بل بمنطق الردع والردّ، جاءت الساعات الأولى من فجر الجمعة 13 يونيو 2025 لتدشّن فصلًا جديدًا من الصراع المفتوح في الشرق الأوسط. ضربة إسرائيلية مباغتة استهدفت منشآت حيوية في العمق الإيراني، وردّ ناري إيراني مباشر لم يشهده المسرح الإقليمي منذ عقود.[1]

 

"في السياسة، لا توجد صداقات دائمة، بل مصالح دائمة."

– ونستون تشرشل

 

لقد خرجت المعركة من الظلال، وسقط قناع "الحرب بالوكالة"، ودخلت الأطراف الإقليمية الكبرى، إيران وإسرائيل، في مواجهة مباشرة وصريحة، بعيدة عن الإنكار والتكتم، لتضع بذلك المنطقة أمام مفترق طرق محفوف بالمخاطر، ومليء بالإشارات الاستراتيجية التي لن تمر دون أثر.

 

العدوان الإسرائيلي الرسائل الخفية خلف الصواريخ لم يكن الهجوم الجوي الإسرائيلي على منشآت إيران النووية والعسكرية مجرد تصعيد عسكري، بل رسالة استراتيجية مشحونة بالدلالات. فاختيار أهداف حساسة كنطنز وفوردو[2]، والضرب العميق في مراكز الحرس الثوري، يشير إلى نية إسرائيلية واضحة في استباق ما تعتبره "تهديدًا وجوديًا" من البرنامج النووي الإيراني.

 

البيانات الإسرائيلية وصفت العملية بأنها "ضربة وقائية"، لكن المراقبين يرون أنها تحمل في طياتها رغبة سياسية في اختبار ردود أفعال إدارة ترامب، وتثبيت قواعد اشتباك جديدة تقوم على الهجوم الاستباقي بدلًا من الردع الدفاعي.[3]

 

"كلما ظنّ الأقوياء أن القوة تمنحهم الحق، يخرج من بين الضعفاء من يعلّمهم حدود القوة."

 

الرد الإيراني من سياسة ضبط النفس إلى استراتيجية الردع المكشوف الرد الإيراني لم يتأخر. فبعد ساعات فقط، أطلقت طهران ما سمّته "عملية العقاب الشديد"، مستخدمةً عشرات الطائرات المسيّرة وأكثر من 150 صاروخًا باليستيًا[4]، استهدفت قواعد عسكرية ومراكز قيادة ومناطق استراتيجية في تل أبيب ورمات غان وبئر السبع.

 

"إيران ليست دولة وظيفية… بل مشروع أمة ينتظر لحظة الانفجار الكامل."

– الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك (سابقًا)

 

الأهم من حجم الرد، هو كونه أول اعتراف رسمي مباشر من طهران بتنفيذ هجوم على الأراضي الإسرائيلية من داخل أراضيها، وهو ما يُعدّ سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، ويعكس تحولًا نوعيًا في العقيدة العسكرية الإيرانية: الانتقال من الدفاع الغامض إلى الهجوم الصريح.[5]

 

إيران تأكيد على المعادلة الجديدة في خطاب متلفز، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي: "لقد اخترقت إسرائيل الخطوط الحمراء، ولن يكون أمنها من الآن فصاعدًا شأنًا داخليًا فقط."[6]

 

كما أشار الرئيس الإيراني مسعود بيزشيان إلى أن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة للمساس بسيادتها"، مضيفًا أن الهجوم كان "رسالة تأديب، لا انتقام، ولكن الرسائل القادمة ستكون أقسى إن تطلّب الأمر".[7]

 

تل أبيب ما بين الاستفزاز والمفاجأة رغم تبجح القيادة الإسرائيلية بأن الضربات كانت "ناجحة ومخططة بدقة"، إلا أن رد الفعل الإسرائيلي الداخلي كشف عن ارتباك حقيقي. صفارات الإنذار دوّت في تل أبيب، والملاجئ امتلأت بالمدنيين، والأسواق شهدت تقلبات حادة[8]، بينما ارتفعت الأصوات المعارضة في الكنيست، متهمة الحكومة بجرّ البلاد إلى مواجهة شاملة دون حساب حقيقي للتبعات.

 

وقد أقرّ مسؤول في الاستخبارات العسكرية أن "حجم الرد الإيراني فاق التوقعات، وتنوّع الأسلحة المستخدمة كشف عن تطور لافت في المنظومة الصاروخية الإيرانية."[9]

 

واشنطن بين الدعم السياسي والقلق الاستراتيجي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي بيان مقتضب، أعلن وقوف بلاده "بشكل لا لبس فيه إلى جانب إسرائيل"، لكنه دعا الطرفين إلى "ضبط النفس وتجنّب التصعيد الشامل".[10] هذا الموقف يكشف عن توازن دقيق تحاول واشنطن الحفاظ عليه: فهي لا ترغب في الانجرار إلى حرب إقليمية مفتوحة، لكنها في الوقت نفسه ملتزمة بتحالفها الاستراتيجي مع تل أبيب.

 

من جهة أخرى، دفعت وزارة الدفاع الأمريكية بتعزيزات بحرية إلى الخليج العربي، وأعلنت رفع حالة التأهب في قواعدها بالعراق وقطر والبحرين، في إشارة إلى أن واشنطن تأخذ إمكانية توسع المواجهة على محمل الجد.[11]

 

تحليل استراتيجي معادلات ما بعد الضربة

1. توازن الردع تغيّر: إيران أثبتت قدرتها على استهداف العمق الإسرائيلي بشكل مباشر ومنظم، ما ينذر بمرحلة جديدة في قواعد الاشتباك، قد تتخلّى فيها إسرائيل عن سياسة "الضربة بلا ردّ".

 

2. الانكشاف الإسرائيلي: رغم كثافة الدفاعات، فإن اختراقها بهذه الكثافة يثير تساؤلات حقيقية حول فعالية منظومة "القبة الحديدية"[12]، خاصة أمام الصواريخ الباليستية الدقيقة والطائرات المسيرة.

 

3. إشارات لحرب إقليمية؟ في حال توسّعت الردود لتشمل أذرع إيران في لبنان وسوريا واليمن، فإن المنطقة قد تكون على أعتاب "حرب متعددة الجبهات"، تشعل المشرق من جديد.

 

4. الاقتصاد العالمي في مرمى النيران: أسعار النفط ارتفعت بنسبة 6.4% خلال 12 ساعة فقط، والذهب سجل أعلى مستوياته منذ 2020، والأسواق العالمية باتت أكثر تقلبًا، ما يعكس هشاشة الأمن الطاقي العالمي.

 

ما جرى ليس مجرد صدام عابر، بل علامة فارقة في تحوّلات ميزان القوة الإقليمي. فإيران، التي لطالما أرسلت رسائلها عبر الوكلاء، قررت أن تكتب بنفسها هذه الرسالة الصاروخية إلى تل أبيب، وبلغتها الخاصة: "لسنا عاجزين، وسنردّ حيث نختار، لا حيث يُتوقع".

 

وإسرائيل، التي اعتادت على المبادرة، وجدت نفسها في موقع ردّ الفعل، وعليها الآن أن تعيد تقييم استراتيجيتها، ليس فقط تجاه إيران، بل تجاه كل ما كانت تراه "ثوابت أمنية".

 

"المعادلات في الشرق الأوسط لا تُفهم إلا إذا قرأتها من زواياها الثلاث: التاريخ، الدين، والجغرافيا."

– د. برنارد لويس

 

أما واشنطن، فقد بدأت تدرك أن الشرق الأوسط الجديد لا تُحكم معادلاته بالردع وحده، بل بفهم أعمق لتغيرات القوى الناشئة، وتحوّل الأطراف إلى أقطاب مستقلة القرار.

 

في نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل يكون ما جرى تمهيدًا لحرب مفتوحة؟ أم أن الأطراف جميعًا تدرك أن البارود حين يُشعل، لا يعرف كيف ينطفئ؟

 

 المصادر :

1. حول العملية الإسرائيلية

بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن "الضربة الجوية استهدفت مركزين لتخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، إضافة إلى مواقع تابعة لفيلق القدس، وتمت بمشاركة طائرات F-35 الأمريكية الصنع"

(Haaretz, 13 June 2025)

 

2. عن الرد الإيراني

وكالة إرنا الرسمية نقلت عن المتحدث باسم هيئة الأركان الإيرانية قوله:

 "لن تكون سماء تل أبيب بعد اليوم خارج مدى صواريخنا، وإذا كرر العدو غطرسته، فإن الرد القادم سيكون شاملًا."

(وكالة إرنا، 13 يونيو 2025)

 

3. خسائر إسرائيلية معلنة وغير معلنة

وفقًا لتقرير قناة i24news، أصابت الصواريخ الإيرانية مستودعًا للذخيرة في قاعدة "حتسور" الجوية، وتسببت في أضرار جزئية بمحطة كهرباء في بئر السبع. ولم تنفِ الحكومة الإسرائيلية هذه التفاصيل بل اكتفت بـ"عدم التعليق".

(i24news – 13/06/2025)

4. تصريح خامنئي

في بيان نقله التلفزيون الرسمي:

 "السكوت لم يعد حكمة، وصبرنا ليس ضعفًا. الرد على من يعتدي علينا سيكون مباشرًا وساحقًا."

(التلفزيون الإيراني الرسمي، فجر الجمعة 13 يونيو)

 

5. الموقف الأمريكي الرسمي

صرّحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي:

 "نحن على تواصل مستمر مع حلفائنا في تل أبيب، لكننا ندعو جميع الأطراف إلى التهدئة، فالحل العسكري ليس خيارًا مستدامًا."

(White House Briefing, 13 June 2025)

 

6. التحليل الاقتصادي

بحسب تقرير Bloomberg:

 "قفزت أسعار النفط إلى 96 دولارًا للبرميل بعد التصعيد الإيراني، وسط مخاوف من إغلاق مضيق هرمز أو استهداف منشآت الطاقة الخليجية."

(Bloomberg, Market Watch, 13/06/2025)

 

7. محللون استراتيجيون

ذكر توماس فريدمان في نيويورك تايمز:

 "ما فعله الإيرانيون ليس فقط انتقامًا، بل كسرًا لهيبة الردع الإسرائيلي، وتأكيدًا على أن ساحة الحرب أصبحت متعددة الاتجاهات."

(The New York Times, Opinion, June 2025)

 

8. عن فعالية القبة الحديدية

مركز "بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية" أشار في تقرير تقني إلى أن "كثافة الصواريخ الإيرانية تجاوزت قدرة الاعتراض في بعض المناطق، مما يدفع نحو تطوير أنظمة دفاع أكثر مرونة وتعددية الطبقات."

(BESA Center, June 2025)

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا

الأعلى