كتب د. نادر على
في قلب المتحف المصري، يقف تمثالٌ ليس له مثيل، ليس فقط في مصر القديمة، بل على امتداد تاريخ البشرية كلها. إنه تمثال الملك خفرع، المنحوت من حجرٍ يُعد من أصلب المواد على وجه الأرض بعد الماس: الديوريت الأخضر.
هذا النوع من الصخور البركانية الصلبة يُعرف بمقاومته الشديدة لعمليات القطع والنحت، حتى باستخدام أدوات حديثة كالحفارات الكهربائية وآلات قطع الرخام. وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، لم ينجح الإنسان الحديث في نحت تمثال واحد بنفس الحجم والدقة من الديوريت الأخضر. ومع ذلك، فإن هذا التمثال الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 4500 عام، تم نحته بدقة لا تصدق وبملامح لا تزال حية وكأنها صُنعت بالأمس.
ما يضيف إلى هذا التمثال بُعدًا من الإعجاز البصري هو الصقر حورس، رمز الحماية في العقيدة المصرية القديمة، والذي يحتضن رأس الملك خفرع من الخلف بجناحيه في مشهد خلاب. والأغرب من ذلك، أنك لا تستطيع رؤية الصقر إلا إذا نظرت إلى التمثال من الجنب؛ أما من الأمام، فلا يظهر إلا وجه الملك بكل هيبته ووقاره، وكأن التمثال صُمم بتقنيات بصرية ثلاثية الأبعاد تسبق عصرها بآلاف السنين.
تمثال خفرع ليس فقط عملًا فنيًا، بل هو تحدٍ تقني وفكري لا يزال يُحير العلماء والنحاتين حتى اليوم. كيف تمكن قدماء المصريين من نحت هذا العمل الخالد دون أدوات حديثة؟ ما هي الأسرار التي دفنتها الرمال ولم تبح بها بعد؟
إنه ليس تمثالًا فقط، بل رسالة حجرية مشفّرة تقول: "هنا وقف خفرع... فتحدّاه الزمن، فبقي."
التعليقات الأخيرة