add image adstop
News photo

في معرض الكتاب .. أبناء السويس يدقون ناقوس الخطر للحفاظ على تراث المدينة المادي وغير المادي

 

 

كتب - محمود الهندي 

 

تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وفي إطار فعاليات معرض السويس الثالث للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب، انعقدت ندوة بعنوان: «كيف نصون التراث الثقافي؟»، شارك فيها الفنان التشكيلي المهندس محمد كامل، والكاتب والمؤرخ أنور فتح الباب، والدكتور سادات غريب الباحث والكاتب، والأثري والمؤرخ حسام الحريري، فيما أدار اللقاء القاص إبراهيم طاهر.

أكد القاص إبراهيم طاهر في مستهل الندوة أن الحفاظ على التراث يمثل رسالة سامية لأنه الجسر الذي يصل الماضي بالمستقبل، ويربط الأجيال بجذورهم وهويتهم الأصيلة. وأضاف أن التراث هو ذاكرة الأمة الحية، التي تمنحها الاستمرارية والقدرة على مواجهة دعوات التغريب وقطع الصلة بتاريخنا. 

 

من جانبه، شدد الفنان والمهندس محمد كامل على أن السويس ليست مجرد ميناء على ضفاف القناة، بل مدينة حية تنبض بتاريخ طويل من النضال والجمال. وقال : «شوارع السويس القديمة ومبانيها العتيقة تحمل بين جدرانها حكايات لا تحصى عن بطولات أبنائها وتضحياتهم».

وأوضح أن التراث المعماري ليس حجارة صامتة بل صفحات من كتاب مفتوح، يروي للأجيال كيف عاش الأجداد، وكيف واجهوا التحديات. وأضاف أن الحفاظ على المباني التاريخية لا يقتصر على قيمتها التاريخية فحسب، بل يمتد إلى دورها الاقتصادي والسياحي إذا ما أُعيد استثمارها بشكل حضاري، معتبراً أن المدينة التي تفقد تراثها تفقد روحها وهويتها . 

 

أما الباحث والكاتب الدكتور سادات غريب فتناول جانباً آخر من التراث، مؤكداً ضرورة الحفاظ على روح المقاومة الشعبية لدى شباب مصر، وغرس قيم البطولة والتضحية التي قدمها أبناء السويس عبر تاريخ طويل من المواجهة مع الاحتلال . 

 

وسرد أسماء عدد من أبطال المقاومة الشعبية الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن مثل: مصطفى أبو هاشم، إبراهيم سليمان، سعيد البشتلي، وغيرهم من الأحياء في وجدان المدينة. وأشار إلى تكريم الدولة لهم عبر شهادات وأنواط تقديراً لدورهم من 1967 حتى 1975.

 

واستعرض الفارق بين المقاومة المنظمة، ذات الهيكل الواضح والاستراتيجية المحددة، وبين المقاومة غير المنظمة التي تنشأ عفوياً من أفراد أو جماعات صغيرة، مؤكداً أن الهدف واحد وهو مواجهة الاحتلال واستعادة الأرض. وضرب أمثلة من المقاومة في الجزائر وليبيا ومصر . 

 

كما استعرض دور منظمة سيناء العربية التي شكلها أبناء المدينة بعد عام 1967، وكيف عبر مقاتلوها القناة عشرات المرات لتنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو، بالتعاون مع القوات المسلحة والاستخبارات العامة، مؤكداً أن هذه البطولات ينبغي أن تبقى حاضرة في وجدان الأجيال الجديدة . 

 

وفي مداخلته، تناول الأثري والمؤرخ حسام الحريري أهمية حماية التراث المادي لمحافظة السويس، مستشهداً بمبانيها التاريخية مثل قصر محمد علي باشا على ميناء الخور العتيق، داعياً إلى تحويله بعد ترميمه إلى فندق ومزار سياحي تحت إشراف وزارة الآثار، بحيث يُستخدم عائد التذاكر في صيانته الدورية . 

 

وأشار كذلك إلى مبنى المساجيري، وما بُذل من جهود لإحياء طرازه المعماري المتميز، من خلال التنسيق بين وزارة الثقافة والجهاز القومي للتنسيق الحضاري ومحافظة السويس.

كما تحدث عن أهمية السياحة الدينية في السويس، حيث يُرجح المؤرخون أن شق البحر لبني إسرائيل كان من الجهة الشمالية للمحافظة، إضافة إلى مرور العائلة المقدسة بها أثناء عودتها إلى فلسطين. كما لعبت أراضي السويس دوراً محورياً عبر قرون طويلة كممر لقوافل الحج والمحمل الشريف .

 

  

 

واختتم الكاتب والمؤرخ أنور فتح الباب النقاش بتسليط الضوء على التراث غير المادي للسويس، الذي اعترفت به منظمة اليونسكو. وأوضح أن المدينة تمتلك ثراءً ثقافياً يتجلى في الفنون الشعبية والموسيقى والقصص والمأكولات التقليدية . 

 

وأشار إلى أن آلة السمسمية تمثل رمزاً لهوية السويس، وقد سُجلت عام 2025 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي باليونسكو، مذكراً بدور فرقة «أولاد الأرض» التي أسسها الكابتن غزالي في إحياء هذا الفن خلال فترة المقاومة وحرب الاستنزاف وحتى أكتوبر 1973.

 

كما لفت إلى رقصات «البمبوطية» المرتبطة بحياة الميناء والبحارة، وأطباق المطبخ السويسي المميزة مثل «السريديا» و«اللوجز» و«الصرمباء»، فضلاً عن الحكايات الشعبية كسيرة «سيدي عبد الله الغريب»، رمز حماية المدينة.

واقترح فتح الباب إنشاء مكتبة إلكترونية أو موقع رقمي لتوثيق وحفظ هذا التراث، بجانب إطلاق برامج بحثية بين جامعة السويس والمؤسسات الثقافية لدراسة السمسمية والفنون التقليدية . 

 

خرجت الندوة برسالة واضحة مفادها أن تراث السويس، المادي والمعنوي، ليس مجرد ماضٍ يُحكى، بل حاضر نابض يمدّ المدينة بهويتها، ويستحق أن يُصان ويُستثمر. فالسويس ليست مدينة عادية، بل سيرة وطنية متجددة، وذاكرة مقاومة لا تنطفئ .

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا

الأعلى