كتبت سماح إبراهيم
بينما يجري العالم في وضح النهار، هناك أطفال لا يعرفون سوى العتمة. يُغلق عليهم الباب مع شروق الشمس، ولا يُسمح لهم بالخروج إلا بعد الغروب... لأن النهار بالنسبة لهم ليس وقتًا للعب، بل خطرًا مميتًا. هؤلاء هم "أطفال القمر"، المصابون بمرض نادر اسمه جفاف الجلد المصطبغ (Xeroderma Pigmentosum)، يجعل الشمس عدوهم الأول.
أشعة قاتلة
"أطفال القمر" لا يستطيعون التعرض لأشعة الشمس ولو لدقائق، لأن أجسامهم لا تملك القدرة على إصلاح الضرر الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية. أبسط تعرض يترك آثارًا كارثية: حروق، تقرحات، أورام جلدية، ضعف في البصر والسمع، وقد يتطور الأمر إلى سرطانات خطيرة وفقدان أجزاء من الجسم.
سجن اختياري
هؤلاء الأطفال مجبرون على البقاء في المنازل طوال النهار، والنوافذ مغلقة بستائر سميكة، والزجاج مغطى بمواد عازلة. بعضهم لم يذهب يومًا إلى المدرسة، ولا يعرف الشارع ولا الأصدقاء. حياتهم تبدأ بعد غروب الشمس، حين يمكنهم الخروج بحذر، بملابس تغطي كل شيء، ونظارات تحجب أقل شعاع.
قصة من المغرب... صمود رغم الظلام
في المغرب، أضاء الشقيقان حمزة ومحمد تزمرت شمعة في هذا الظلام. وُلد كلاهما بهذا المرض، وتعرضا لعمليات جراحية مؤلمة منذ الصغر، لكنهما تحديا كل الصعوبات، وحصلا على شهادة الإجازة في القانون من جامعة الرباط. لم تكن دراستهما سهلة، إذ كانا يتنقلان فقط ليلًا أو في ظروف خاصة، ويتعرضان لنظرات فضول وتنمّر، لكنهما قررا أن يصبحا صوتًا لكل طفل قمر لا يُرى ولا يُسمع.
يقول حمزة: "الحمد لله على نعمة العلم، لقد أعطاني القوة لأتكلم باسم كل طفل يعيش خلف الستائر، ويخاف أن يلمسه النور."
تهميش وتجاهل
رغم قسوة المرض، يعاني أطفال القمر من تهميش مضاعف. لا توجد تغطية صحية خاصة، ولا برامج دعم حكومية، ولا فرص إدماج حقيقية في المجتمع أو سوق العمل. والأصعب من ذلك: قلة الوعي المجتمعي، فالكثيرون لا يعرفون شيئًا عن هذا المرض، ويعاملون المصابين به باستغراب أو شفقة أو حتى تنمّر.
ليسوا "غرباء"... بل أبطال يعيشون في صمت
"أطفال القمر" ليسوا كائنات غريبة، بل أبطال حقيقيون يقاومون مرضًا قاسيًا في عزلة تامة. هم يحتاجون فقط لفرصة، لرعاية، لصوت يقول: "أنتم لستم وحدكم".
فلنتذكر دائمًا أن هناك من يعيش في الظلام القاتم، لا لأنه يريد، بل لأنه لا يستطيع النجاة في الضوء.
التعليقات الأخيرة