بقلم د/سماح عزازي
أنا لم أكنْ يومًا هشيمةَ عاطفٍ
أو سَطرَ عشقٍ ضاعَ فيكَ وتبعثرا
أنا منْ مشيتُ على انكسارِ مواجعي
وتركتُ ظلّك للحنينِ ليُدثرا
ما ضرّني أن غبتَ، يكفيني أنا
صوتي… إذا ضاقتْ عليَّ تكسّرا
أنا التي لملمتُني من غربتي
وسكبتُ في وجعي حنيني الأصدقَا
ما كنتُ أرجو أن تكونَ كمَن مضى
لكنني… لم أرتضِكَ مؤجّلا
قلبي الذي كانَ ارتعاشَ طفولتي
صارَ النبيَّ… ومَن تكلّمَ أولَا
ما عادَ يُغريني الرجوعُ، فإنني
قد قمتُ من بين الحطامِ الأكبرا
أنا لم أعدْ تلكَ التي ترجو يدًا
بل صرتُ كفًّا إنْ أتتكَ تبصرا
أنا التي… في كلّ صمتٍ تنثني
تحتَ السماءِ، وتستقيمُ لتُزهرا
أُقسمتُ أنْ لا أنحني لعطائك
إن غابَ عني، أو أتاني متأخرا
أنا لم أُهَن، بل كنتُ أُنضِجُ ضعفَنا
حتى غدوتُ… على انكسارك أقدرا
فامضِ كما شئتَ… الهزيمةُ في يدي
نصرٌ، إذا عرفتْ يدايَ بأنّني انتصرا
لا تنتظرْ وجعي… فقد نفضتُه
عنّي، كمن يلقى الردى، ثم ارتقى
إنّي خلعتُ الوهمَ… لا عن ضعفِ من
هجرَ الطغاةَ، بل لأنّي أستحقُّ الأبهى
ما عدتُ أفرشُ للغيابِ وسادتي
أو أنتظرُ الوقتَ البخيلَ ليُنعِشا
أُغني لنفسي حينَ تختنقُ الدُّنا
وأُضيءُ قلبي كلّما الليلُ انجلى
هل كنتَ تظنّ بأنني إن غِبتَ
سأموتُ؟… لا، بل كنتُ أحيا كي أرى
أنّ الفؤادَ إذا صحا من غفلةٍ
أدركَ الذي أبكاهُ… ما يستحقُّ البُكا
ما خِنتُني، بل خُنتَ صمتي مرةً
فرجعتُ أمحو منكَ ما لا يُحتوَى
أنا من زرعتُ الحلمَ بي، وسقيتُه
لا من سرقْتَ مواسمي كي تحصدَا
ما كنتَ ظلّي، كنتَ وهمًا عابرًا
وأنا الحقيقةُ حين نَضجتُ فاستعلى
فدعِ الرحيلَ لكَ… أما أنا فلي
وجهٌ يُقابلُ شمسَه لا مُتخفِّيا
أنا التي… في عمقِ خيبتها، رأتْ
أنّ النهارَ، إذا تأنّى، أشرقا
ما خفتُ عتمتكَ… فإنّي شمعةٌ
تُوقدُ الدربَ الطويلَ لمن وعى
وإذا غفوتَ عن الضياءِ، فإنني
أبني صلاتي من يقيني مُشرِقا
أنا لا أُقفلُ بابَ قلبي… غير أني
أعرفُ مَن يستحقُّ أن يُطرقا
فالحبُّ في عينيّ معنىً شامخٌ
لا يُستدرُّ بذلّةٍ، أو يُشترى
أعطيتُ ما في القلبِ من وهجِ الرُّؤى
لكنّني لم أعطِ روحي سُخفَ مَنْ نأى
جُرحي جلالٌ… لا أُخبّئُ نزفهُ
لكنهُ درسٌ… لأُنثى قد وعى
هل كنتَ تعرِفُ كم سكنتَ قصائدي؟
واليومَ تُقصى مثلَ سطرٍ قد طوى؟
فاذهبْ… فلستُ على الجراحِ نادمةً
إنّي خلقتُ من الوداعِ مُنتَهى
ما كنتُ يومًا في انتظارك نغمةً
بل كنتُ لحنًا… كلّما عزفوا بُكى
أنا التي، لو شئتَ أن تعرفَ اسمي
اكتُبْ: "هنا مرّتْ… وعادتْ أنقى"
فامضِ كما شئتَ… الهزيمةُ في يدي
نصرٌ، إذا عرفتْ يدايَ بأنّني انتصرا
ما عدتُ أرجوكَ البقاءَ، فكلُّ ما
في البعدِ، قد أعطانيَ العمرَ الأصفى
أنا لا أرجو عاشقًا نصفَ انتماءٍ
ولا أبيعُ النورَ في دربِ التُّقى
من كانَ قلبًا لا يُطيقُ صداقتي
فأنا الغنى… إن لم يكنْ، أو كانَ لا
أنا التي لم ينكسرْ قلبي… ولكنْ
من خذلوا قلبي، كسرتُ بهم صدى
وأعدتُني… تلكَ التي لم تُنْتَهِ
بل كلّما قالوا انتهتْ، ابتدأَتْ سُرى
فدعِ الحكايةَ عند هذا الشاهقِ
واكتبْ: هنا… أنثى، نهضتْ، وتجلّى
أنا لا أُجاملُ وجعيَ إن جاءني
بل أحتفي فيهِ… إذا ضاقَ الفِضا
ما خُنتُ قلبي حين ضيّعتَ الدُّنى
بل كنتُ صدقًا… حين خنتَ وما اكتفى
صوتي أنا، دربي أنا، وجروحيَ
صارتْ صلاةً… حين أُغلِقَ مَن مضى
كلُّ الذين ظنوا بكائي ضعفةً
لم يعلموا أني بكيتُ لأقوى
ما كنتُ أرغبُ أن أراكَ بمنزلي
تتلو اعتذارًا… في الظلالِ وتختفى
أنا لا أقبلُ عاشقًا في غُربتي
إن لم يُقاسِمْني الطريقَ… ويكتفى
قلبي بصدقي لا يُباعُ لساكنٍ
من كانَ يرحلُ، لا يعودُ ولا يُرى
يا من تركتَ الحلمَ يرجفُ خائفًا
خذ حلمكَ الذاوي… وخذْ وهمَ الرُّؤى
إني خلعتُ الحبَّ عني مرّةً
كي أرتدي حريتي… دون اكتِسا
أنا التي لم تُخطئِ الحبَّ… ولكنْ
أخطأتُ في من كانَ قلبًا مُدّعَى
فلتشهدَ الأيامُ أني قد نضجتْ
من حزنِ قلبٍ، ما استباحَ توجُّعا
ولتشهدَ الطرقاتُ أني ما مشيتُ
إلا وحولي الكبرياءُ مُرفرفا
أنا لا أرجو من الأقدارِ معذرةً
فأنا اعتذرتُ لذاتيَ المُتوجِّعا
يا من ظننتَ بأنني أنثى الهوى
قد كنتَ أجهلُ من هواها مَن وعى
أنا لستُ ظلًّا في مدارك تائهًا
بل شمسُ ذاتي… أشرقتْ وتألّقا
فامضِ… كما شاء الغيابُ، فإنني
أنثى، ومن ضوء اكتفائي أبدعا.
التعليقات الأخيرة