add image adstop
News photo

"حين تأخّرتَ عن قلبي" من ديوان "انثي لا تنتظر "

 

 

بقلم د/سماح عزازي

 

تأخّرتَ عن قلبي كثيرًا... وانتظرتْ

أبوابُهُ كفَّ الرجاءِ... وتوسدتْ

 

قد كانَ وقتي كلُّهُ لكَ مُبتهجًا

لكنَّ خيباتِ السُّهادِ تفرَّدتْ

 

كتبتُك في كل الحروفِ قصيدةً

لكنَّ حرفَ الصمتِ فيكَ تَمَرَّدَتْ

 

كنتَ الحضورَ إذا أتى، لكنّما

غبتَ... فغابتْ عن جفوني وردتي

 

هل كنتَ تدري أنني، في غيبتك

أُحصي الخطى، والقلبُ أضناهُ الندى؟

 

هل كنتَ تشعرُ أنني، إن قلتَ لي

"سأعودُ"، عادَ إلى الحنينِ موطِني؟

 

لكنّ وعدَكَ لم يكنْ يومًا سَنا

بل كانَ ظلًّا للرحيلِ المُوغِدِ

 

أنا لا ألومُكَ... غيرَ أنّي مرّةً

صدّقتُ فيكَ النورَ، ثمَّ تجمَّدتْ

 

ما زلتُ أذكرُ ضحكتَك... وكأنّها

صوتُ الحياةِ إذا غفا وتنهَّدَتْ

 

لكنني اليومَ استفقتُ، فعانقتْ

أنفاسيَ الأنثى التي ما أُنهِكتْ

 

أنا لستُ ظلًّا في انتظارٍ عابرٍ

أنا التي في كلِّ دربٍ تورَدَتْ

 

إن جئتَ بعدَ مواسمٍ مُتأخرةٍ

ستجدْ نوافذَ عشقِنا قد أُغلِقَتْ

 

سترى الرسائلَ تحتَ رمْلِ صمْتِها

تبكي عليكَ... ولا تُراكَ، تجلّدتْ

 

فامضِ، ودعْ قلبِي يسيرُ لنفسهِ

ما عادتِ الأنثى تحنُّ... لتُكسَرَتْ

 

لا تنتظرْني حينَ تُطفئُ غيمتي

فالغيمُ إن مضتِ الفصولُ تبدَّدتْ

 

قد كنتَ بعضَ الحلمِ في أفقي، وها

أدركتُ أنّ الحلمَ فيكَ تبدّدتْ

 

ما ضرّني أن لا تكونَ كما أردتْ

فالنبضُ يكبرُ حين نُكملُ وحدَتَـهْ

 

أنا لستُ أحصي في غيابِكَ خيبتي

لكنني... أُحصي النجاةَ من الجَفَا

 

في وجعي... نبتَتْ زهورُ قصيدتي

فالشوكُ إن صلَّى، تفتَّحَ مُورِقَا

 

لا تُرجِعنّي لِارتباكِ بدايتي

فأنا التي من وجعِها قد أزهرتْ

 

خذ ما تبقّى من حنينِك وامضِهِ

لكنْ دعِ الذكرى هنا... مُترقرِقَةْ

 

وسأكتُبُ الآنَ النهايةَ باسمي

من دونِ ظلٍّ، أو ملامحِ مُرهَقَةْ

 

وسأرتدي ثوبي الذي نسيَ البُكَا

وأقولُ للغيماتِ: كوني مشرِقَةْ

 

ما عُدتَ أولَ منْ يُناديني إذا

ضاقتْ خطايَ، ولا الأخيرَ المَرتجى

 

قد كان وجهُك في الليالي قبلتي

واليومَ... لا وجهٌ يلوّحُ أو دُجى

 

ما عُدتُ أسأل عنك، لكنّ الذي

في القلبِ منكَ، يَبيتُ شوقًا خافتَا

 

أُخفي اشتياقي مثلما تُخفِي السُّنا

نجواهُ... كي لا يُستباحَ وضياءَهُ

 

وأقول: لا بأسَ البعادُ وإنْ نأى

في البُعدِ معنى، قد يُعيدُ صفاءَهُ

 

أنا لستُ أبكي مَنْ تأخّرَ عن دمي

أنا منِ استوعبتُ قلبي وحدَهُ

 

رفقًا بقلبٍ لم يكنْ يومًا قَسَتْ

نَبضاتُهُ... بل طيَّبتْ من جَرحَهُ

 

سِرْ يا غريبَ الحلمِ، إنك لم تَكُنْ

رَوحِي... ولا وطَنًا ليُبنى، أو فدى

 

أنا قد نضجتُ... ولي حديثٌ داخلي

إن شئتَ، فاقرأني… ولن تتندّما

 

ما عدتُ أرسمُ من ملامحِ صوتِكـَ

بابَ الرجاءِ، ولا سكونَ المرتجى

 

قد قُلتُ يومًا: "لن أكونَ سوى التي

تنتظركَ"، واليومَ أنكرُ ما جرى

 

أدركتُ أني كنتُ أُؤمنُ بالمُنى

أكثرْ من الإيمانِ بالذي افترى

 

علّمتُ نفسي أن أُرمِّمَ شوقَها

بيدي، وأجمعَ ما تناثرَ من صدى

 

وإذا أتاني الحنينُ يسائلُني

هل كان حبًّا؟ قلت: لا... بل غفلةً

 

لم يكُ نبضًا كاملاً في صدقِهِ

بل كان ظلًّا عابرًا... متردّدَا

 

فلا تَعُدْ، لا تُرجِعِ الأيامَ لوعتَها

ما عادَ في قلبي فراغٌ، أو ندى

 

أنا اكتفيتُ، وليسَ فيكَ نهايةٌ

أو أولٌ... يُرجى ليُحيا من رُؤى

 

أنا في نضوجي لا أُقايضُ دمعتي

بوصالِ مَن لا يحتوي إلا الأذى

 

وأنا التي ما خنتُ يومًا عهدَها

لكنَّ صبرَ العاشقينَ تَفَتَّتا

 

قد كان في عينيكَ وعدٌ كاذبٌ

واليومَ أرثي صمتَهُ المُتجبِّرَا

 

فدعِ الحديثَ... فقد سكنتُ برأسي

جُرحي، وشيدتُ احتسابي مئذنة

 

يا مَنْ تأخّرتَ الطريقَ قصيدتي

ما عدتَ بيتًا في الحنينِ مُحرّفَا

 

إن كنتَ تعرفني... فصوتي شاهقٌ

ما خُنتُ إلا منْ تخيَّلَني هَوى

 

أنا التي قامتْ على شظفِ النوى

وانسابَ منْ عنفِ النُّضوجِ سنا دُجى

 

أنا لم أكنْ أُغني لغيْبَتِكَ الرُّجى

بل كنتُ أرسمُ من غيابِكَ مهربَا

 

ما كنتَ مرآتي التي أستودعُ

أسرارَ أنثى لم تُهزَمْ إن عَذُبَا

 

بل كنتَ صيفًا عابرًا، وأنا التي

للحزنِ ظلَّلتُ الدُّنى... وتألَّبَا

 

مذ جئتَ – لا جئتَ – ارتويتُ خديعتي

حتّى غدوتُ الصدقَ نارًا، لهبَا

 

لكنني، بالرغمِ من وجعِ المُنى

لم أُطفئِ الإحساسَ فيَّ، ولم يَغبَا

 

أنا لستُ أنثى تُطفِئُ الأشواقَ إن

خانتْ، ولكنْ من تُحبُّ... تهذَّبَا

 

لا تسأل الأيامَ عني بعد ذا

فأنا التي للمستحيلِ تدرّبَا

 

رُكني من الطُّهرِ الجليلِ... وقلبُهُ

ما خالطتهُ، سوى الحروفِ، مهذَّبَا

 

لم أكُ ظلًّا في انتظارِكَ دائمًا

بل كنتُ نهرًا إن عطشتَ تشرّبَا

 

الآنَ أمضي، واليقينُ يرفُّ في

عينيَّ مثل دعاءِ عاشقةٍ أبَا

 

لا تلتفتْ خلفَ المسافةِ، إنني

جبلٌ، وإنْ بكَ السهولُ تَشَبَّبَا

 

دعْ ما تبقّى من فصولكَ في المدى

فلديَّ منّي ألفُ فصلٍ... أكتَبَا

 

هذي يدايَ، وقد نفضتُ رمادَها

وعلى جراحي نَثرتُ مراكِبَا

 

أنا لستُ أنثى للقيودِ، فإنْ مضيتَ

سأمضي، من وجعي أُقيمُ الكوكبَا

 

أنا لستُ أنظرُ للخُطى، هل تُقبِلتْ

أم أنّها في الدربِ قامتْ مذهَبَا

 

أنا لستُ من تبكي على ما لم يكن

بل من إذا خذلَ الهوى... تغرَّبَا

 

ما زلتُ أملكُ في يديّ كرامتي

وإذا انتقصتَ، بنيتُ منها المذهَبَا

 

أنا من يُعلِّمُ للقصائدِ صبرَها

وإذا تنكّرَ لاحتِها... ما اضطربَا

 

لي في الصقيعِ دفاتري، وحرائري

إن جفَّ فيكَ الحُبُّ، ظللتُ موهَبَا

 

قل ما تشاءُ الآنَ... لا ذنبَ الهَوى

إنْ كانَ قلبُكَ في الدروبِ تذبذَبَا

 

لكنْ تعلَّمْ أنني... في بعدِكَ

قد صرتُ لحنًا لا يُغنّى مُغتصَبَا

 

قد كان بيني والحقيقةِ موعدٌ

حتّى غدوتُ النورَ... لا من طيّبَا

 

أنا لم أكنْ حلمًا يسيرُ ورغبةً

بل كنتُ وهجًا للوفاءِ تلهّبَا

 

أنا من عرفتُ الصمتَ وقتَ انكسارهِ

فكتبتُني... والقلبُ بالعزمِ اكتفى

 

قد كان فيك الوهمُ طفلًا ضائعًا

واليومَ أنأى... لا أُلامُ، ولا أُفى.

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا

الأعلى