add image adstop
News photo

تمهّل... فما كلُّ صمتٍ ضعف

بقلم د/ سماح عزازي

 

توهمتَ أنّي صفحةٌ في دفترِ العمرِ

وأني سطورٌ تَغفُو إذا ما مالَ المسارُ

إيّاكَ من غضبي... فذاكَ جَحيمُهُ نارُ

لا توقظِ الوحشَ النّيامَ... فإنّهُ ثارُ

ما ذلّتِ الأيّامُ قلبي مرّةً...

ما كنتُ مهزومةً، ولا خانتنيَ الأقدارُ

 

أخطأتَ يا من ظننتَ بأنّك تعرفني،

أنا الرّعدُ، يصمُّ في عليائكَ الأوتارُ

أنا البرقُ، أرعبَ في الظلامِ سناءَهُ،

أنا القلقُ المذعورُ... حين يهاجرُ السّمّارُ

 

أنا الأرقُ المستعرُ في أعينِ الليالي،

أنا اللّيلُ، لا نومٌ ولا فجرٌ ولا أسفارُ

أخطأتَ يا من ظننتَ بأنّك تعرفني،

أنا السّيفُ إن نادى الوقارُ، له انتصارُ

 

أنا الشاطئُ المهجورُ، تموتُ عليهِ أحلامُكَ،

وأنا الموجُ، يبتلعُ السفنَ... فلا منارُ

أنا البحرُ، لا ترسُو عليهِ مراكبٌ،

أنا التي يغرقُ السؤالُ بها... ولا إعذارُ

 

أنا الماءُ... يُغريكَ السرابُ، وليس يُرويكَ،

أنا المتاهةُ، إن دخلتَ، فلا مَفرّ ولا مَسارُ

هدوءٌ... لكنّ العاصفةَ تخفي بداخلي،

زوبعةً... تأكلُ الرّجاءَ، وتُفنِيَ الأشجارُ

 

أخطأتَ يا من ظننتَ بأنّك تعرفني،

الدّنيا تخافُ إذا مررتُ... ويُرهبُ الإعصارُ

تخرّ لي الجباهُ لا كبرياءً أو تباهٍ،

بل شرفًا، فذاكَ في الضّميرِ هو الوقارُ

 

ما كان مجدي من غُرورٍ أو هوى،

لكنْ أخلاقُ الأُلى... تبقى، وإن هم غاروا

يموتُ الجسدُ، وتفنى الرّوحُ في الأفقِ،

لكنْ... تبقى القيمُ، إن ماتتِ الأحبارُ

 

فامضِ، وابقَ كما تشاءُ، فليس يُربكني الفُتورْ

قد علّمني أبي، أن الكرامةَ لا تُشترى،

وأنّ الصّمتَ حينَ يُجيدُ الردَّ... هو البُحورْ

 

فأنا ابنةُ مَنْ كان الحنانُ رداؤهُ،

وكانَ إذا ضاقَ الزمانُ، على جراحِ القلبِ يُجري نورْ

أنا الطفلةُ إن ضحكتُ، أزهرتْ الحياةُ بي،

وإن عبستُ، بانَ في مقلتيّ كلُّ الدُّهورْ

 

أنا التي لا تُقهرُ مهما اشتدَّ بأسُ الناسِ،

ولا تنحني... ولو ضاقت عليَّ الصُّدورْ

أنا التي إن كتبتُ، فالحبرُ يسبقني،

ويهمسُ للورقِ: "صوني سرَّها، هذا حضورْ"

 

قلمي صديقي، رفيقي في الطرقاتِ،

يرافقني إذا جفّ الوفاءُ، وخانَ في الناسِ الضميرْ

وإذا تقنّعت الوجوهُ بألفِ قناع،

ظلّ حرفي نقيًّا، لا يُجامل، لا يبيعُ، ولا يَغورْ

 

فيا من ظننتَ بأنك تعرفني، تمهّلْ،

فما كلُّ صمتٍ ضعفٌ، وما كلُّ هدوءٍ فتورْ

وما كنتُ عابرةَ الحكايا في كتابِكَ،

بل كنتُ فصلاً لا يُمحى، ولو شطَبَتْهُ السطورْ

 

أمضي بثقةٍ، لا تزعزعني مواقف،

ولا يهزّني من الغيابِ حضورْ

يكفيني أني كما أنا... لا أُبدّلني الريح،

ولا تهزمني الأعذارُ، ولا يغريني الزُّهورْ

 

تبقى القلوبُ الكبيرةُ شامخةً،

تمنحُ... ولا تنتظرُ الثناءَ، ولا تدّخرُ السرورْ

فامضِ بسلامٍ، إن أردتَ الرحيلَ،

وسأبقى كما عهِدتني... إنسانةً، لا تكسرُها العصورْ

 

أنا الوعدُ إن خانَ الزمانُ عهودَهُ،

وإن غدرَ الأحبابُ... لا أنحني للكسورْ

أنا الصّدى، إن ماتَ فيكَ الهمسُ، أسمعني،

أنا الدّفءُ، إن صارتْ لياليكَ صقيعًا لا يزورْ

 

أنا القصيدةُ حينَ تُروى من دمي،

وحينَ يبكي الحرفُ، أزرعُ فيهِ ألفَ نورْ

أنا الحنينُ إذا تبدّلَ وجهُ من أحببتْ،

أنا الوفاءُ، وإن تبدّلَ في العيونِ شعورْ

 

فلا تظنّ بأنّ مَن صَبرتَ جُبنُها،

فالصّمتُ في لغتي... سلاحٌ، لا غرورْ

وإذا ابتسمتُ، فذاكَ درسٌ لا يُردُّ،

أنّي عظيمةُ، رغمَ ما خبّأتهُ الأقدارُ في الدُّهورْ

 

أنا الزهرُ، إن داهمتني العواصفُ،

أُزهِرُ في الرمادِ... وأصمدُ في القبورْ

أنا الجبلُ، لا تهزُّني رياحُكُمُ،

ولا تُغريني الأمانِي... ولا تُخيفُني البحورْ

 

أنا الفجرُ، في عينِ الدجى أتحدّى،

إذا انطفأَ النُّورُ... أُشعلُهُ من الصّدورْ

أنا الحقيقةُ، حينَ يعلو الزّيفُ صوتًا،

وحينَ تخذلني المرايا... أرتدي الصّدقَ جسورْ

 

أنا الحكايةُ، لا تُختَصرُ في صفحةٍ،

ولا تُغتالُ في سطرٍ، ولا يُمحى ليَ الحضورْ

أنا التي إن مسّها الجُرحُ، تبسّمتْ،

وفي الألمِ... تخلقُ للعزيمةِ ألفَ سورْ

 

فلا تُراهنْ على انكساري مرّةً،

فأنا التي في العُتمةِ أزرعُ في النُّفوسِ بذورْ

أنا العزيمةُ، إن تهاوتْ منكبٌ،

أبني على شظاياهُ عهدًا لا يبورْ

 

أنا القصيدةُ حينَ تنزفُ حرقةً،

ويعلو صراخي فوقَ كلِّ القُصورْ

أنا المدى... لا حدَّ لي في وقفةٍ،

أنا المدى... إن ضاقَ في عينيكَ النّظورْ

 

فامضِ كما شئتَ، واتركني لعزّتي،

فالعزُّ يكتُبُني، وإن خانتْ خطاكَ الدُّهورْ

وسأبقى كما عهِدتني، لا يُغريها سقوطٌ،

ولا تُنسيها الطعناتُ، أنّ الصبرَ دُستورْ

 

قلمي... وما أدراكَ ما قلمي إذا غضبَ،

يمحو التجاهلَ، يُوقظُ الفِكرَ، ويجلو الزُّورْ

حبرٌ ولكنّهُ جيوشٌ في مساربها،

إذا كتبَ، ارتعدتْ من حولهِ السُّطورْ

 

لا يشتريه الرّقصُ في حضرةِ المزيفين،

ولا يُباعُ في سوقِ المدحِ والقبورْ

قلمي... رفيقُ الدّربِ، مرآتي، حقيقتي،

إذا خذلتني الحياةُ، كانَ لي النّورْ

 

يهدي خطايَ إذا تعثّرتُ في الشّكوكِ،

ويهمسُ: "كوني كما أنتِ، لا غرورْ

بل كبرياءُ الطّهرِ، لا تُدَنّسُهِ الرّياحُ،

ولا يُزحزحُهُ الجحودُ، ولا يَغورْ

 

فأنا التي تمضي بثوبِ النورِ، لا تنحني،

ولو سقطتْ على الطرقاتِ ألفُ دُهورْ

أنا التي تكسو الكرامةُ صوتَها،

وتَصدحُ بالحقِّ... لا تخشى بهِ نُفورْ

 

إن شئتَ فاذهب، فالطريقُ أمامكَ مُتّسعٌ،

وإني على عهدي، كما كنتُ، لا أغيورْ

لا يستبدُّ بيَ الهوى، ولا يغرّني بريقٌ،

ولا تُغيّرني سنونٌ، ولا قصورْ

 

أنا ابنةُ المجدِ الذي لا يُشترى،

أنا الصّدى الذي يبقى... إذا خفتَ الصّبورْ

أنا التي إن غابَ صوتي لحظةً،

عادَ كالإعصارِ، لا يُجدي لهُ سُتورْ

 

وإن سألوا عنّي، فقل: كانت تؤمنُ

بأنَّ العدلَ ربٌّ، لا يُخيّبُ في النّصيرْ

وأنَّ في قلبِ المظالِمِ نارَ من دعاءٍ،

إذا ما لامسَتْ سُجودَ الليلِ... تستجيرْ

 

تؤمنُ بأنَّ الحَقَّ لا يُمحى، وإن طالَ المدى،

وأنَّ اللهَ للطيّبينَ هو المُدبّرُ القديرْ

فإن خانَ الزمانُ، ففي السماءِ وفاءُ ربٍّ،

لا يَنسى دمعَ عينٍ... في جوفِ السُّحورْ

 

أنا التي إن ضاقَ دربُ الحُلمِ، صبّرتُ المدى،

وزرعتُ في قلبِ الجراحِ أملًا... يُنيرْ

لم أنحني، والريحُ تعوي في دمي،

بل كنتُ أغرسُ في العواصفِ كلَّ بذرةِ مصيرْ

 

إنّي تعوّدتُ المواجعَ منذُ طفولتِي،

وألفتُ أن يُزهرَ الرّكامُ، ويورقَ الكسيرْ

ما خابَ من جعلَ الرجاءَ سلاحَهُ،

وخطا على شوكِ التحدي... لا يُجيرْ

 

فإن سألتَ: "من تكونُ؟" فهذه أنا...

شمسٌ، إذا غربتْ، تعودُ، ويُزهرُ النّورُ

أنا التي خطّتْ على الأعمارِ سيرتَها،

لا تنحني للظلمِ... لا تبكي، ولا تثورُ

 

أنا الحقيقةُ في زمانٍ خانَهُ زيفُ الرؤى،

أنا اليقينُ، إذا تهاوى منطقُ الغرورُ

أمضي بثوبِ النورِ، لا أخشى انكسارَهمُ،

فالحقُّ دربي، والكرامةُ ليَ المصيرُ

 

فامضِ كما شئتَ، لن تهزَّ عزيمتي،

أنا البقاءُ... وإن تبدّلَ كلُّ دورُ

أنا القصيدةُ... لا تُقيَّدُ بالحروفِ،

أنا التي... إن غابَ قولي، ظلَّ في الأرواحِ سُطورُ

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا

الأعلى