محمود الحسيني
لم يستغرق الأمر سوى بضع ساعات حتى ينفذ فريدريش ميرتس أحد أسرع التحولات في التاريخ السياسي الحديث.
عند الظهيرة يوم الجمعة الماضي، تلقى المستشار الألماني المقبل إحاطة قاتمة حول حالة الاقتصاد من وزير المالية يورج كوكيز، الذي أوضح أن برلين تواجه عجزاً في الميزانية يبلغ 130 مليار يورو على مدى أربع سنوات، وسط ركود استمر لعامين وغيوم قاتمة تتجمع فوق أكبر اقتصاد في أوروبا، وفقاً لأشخاص مطلعين.
وبعد فترة وجيزة، شهد البيت الأبيض مشادة علنية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إذ اتهم ترامب الأخير بعدم السعي للسلام مع روسيا وعدم الامتنان للدعم الأمريكي.
بالنسبة لحلفاء واشنطن في أوروبا، كانت هذه المشاهد غير العادية دليلاً إضافياً على أن إدارة ترامب أصبحت معادية بشكل متزايد.
وأثناء متابعته لكل هذه الأحداث، قرر ميرتس أنه “لا وقت لإضاعته”، وفقاً لشخص مقرب من تفكيره.
وخلال أيام، أبرم زعيم “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” اتفاقاً مع “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، شريكه المحتمل في الائتلاف الحكومي المقبل، من شأنه إحداث تحول جذري في طريقة إدارة ألمانيا لاقتصادها.
اتفق الحزبان على تخفيف قيود “مكابح الديون” الدستورية وضخ مئات المليارات في الجيش والبنية التحتية المتقادمة في ألمانيا، في خطوة تمثل قطيعة مع أكثر من عقدين من السياسات المالية المحافظة.
وبموجب الاتفاق، الذي لا يزال بحاجة إلى موافقة البرلمان بأغلبية الثلثين، سيكون بإمكان برلين اقتراض المبالغ اللازمة لتجهيز الجيش الألماني “البوندسفير”.
وفي المقابل، حصل “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” على إنشاء صندوق للبنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو على مدى 10 سنوات لتحديث الطرق والجسور وشبكات الطاقة والاتصالات، وهو أحد الوعود الانتخابية الرئيسية للحزب.
وقال ميرتس يوم الثلاثاء، عند إعلان الاتفاق بجانب زعماء “الاتحاد الاجتماعي المسيحي” و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي”: “لقد حان الوقت لتبني نهج ‘مهما كان الثمن’ في الدفاع، في ظل التهديدات التي تواجه الحرية والسلام في أوروبا”.
ولا يمثل الاتفاق مجرد تخلي عن العقيدة الاقتصادية السائدة في ألمانيا، بل يسرع أيضاً من تحول البلاد بعيداً عن عقود من ضبط النفس العسكري بعد الحرب العالمية الثانية.
التعليقات الأخيرة