بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 1 سبتمبر 2024
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد، لقد تحدث الآيات القرآنية عن بعض من صفات أهل الكتاب، كما في قوله سبحانه في سورة النساء "يحرفون الكلم عن مواضعه" وقوله عز وجل في سورة النساء "يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" وكل ذلك يشتمل على خيانة أمانة الدين والعلم والحق والنعمة، فبعد أن بين سبحانه شيئا من صفات هؤلاء وأولئك، عطف على ذلك مخاطبا عباده المؤمنين بأداء الأمانة، والحكم بالعدل، وهذا ما نحا إليه الرازي وتابعه ابن عاشور في بيان مناسبة الآية لما سبقها من آيات.
وقد ذكر أبو حيان وجها آخر للمناسبة بين الآية وما سبقها، وهو أن الله سبحانه وتعالي لما ذكر وعد المؤمنين العاملين الصالحين، وذلك في قوله سبحانه في سورة النساء "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا" وقد نبه سبحانه تعالي بعد على هذين الأمرين الشريفين وهما أداء الأمانة، والحكم بالعدل، ومهما يكن الأمر، فإن الآية الكريمة أمرت بأمرين رئيسين أحدهما أداء الأمانة، وثانيهما الحكم بالعدل، فأما بالنسبة لأداء الأمانة، فالذي إتجه إليه أغلب المفسرين هنا، أن الخطاب في الآية عام، يشمل جميع الناس، وأن المقصود بالأمانة هو مفهومها العام، الذي يشمل جميع الأمانات، وليس مفهومها الخاص، فهي تشمل الأمانة في العبادات.
والأمانة في المعاملات، والأمانة الخاصة، والأمانة العامة، والأمانة مع المسلم ومع غير المسلم، ومع الصديق والعدو، ومع الكبير والصغير، ومع الغني والفقير، ويقول القرطبي بهذا الصدد والآية "عامة في جميع الناس، فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال، ورد الظلامات، والعدل في الحكومات، وتتناول مَن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة ما، والصلاة والزكاة وسائر العبادات أمانة الله تعالى" ونحو هذا ما قرره الرازي من أن معاملة الإنسان إما أن تكون مع ربه، أو مع سائر العباد، أو مع نفسه، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة ثم شرع يفصل في معنى الأمانة في كل قسم من هذه الأقسام.
ويؤكد ابن عاشور هذا العموم والشمول، فيقول والخطاب لكل من يصلح لتلقي هذا الخطاب، والعمل به من كل مؤتمن على شيء، وممن قال إن الأمانة في الآية عامة جمع من الصحابة، منهم البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب، رضي الله عنهم جميعا قالوا الأمانة في كل شيء في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن والودائع، وروي في هذا المعنى قول ابن عباس رضي الله عنهما لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة.
التعليقات الأخيرة