بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 19 يوليو 2024
الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن المؤمن لا يسب حتى ولو كان حيوانا، ولا يُعيّر إنسانا حتى ولو كان جبانا بجبنه، ولو كان به عيب يعيبه، لأن المؤمن لا ينتهك حُرمة إخوانه المسلمين، فقد كان سائرا صلى الله عليه وسلم ورجلا من إخوانه يركب بعيرا، فلعن بعيره، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أمره ألا يمشى معهم على بعير ملعون، قال الرجل فماذا أفعل يا رسول الله؟ فأشار صلى الله عليه وسلم أن يتركه يذهب حيث يشاء وقال " يا عبد الله لا تسر معنا علي بعير ملعون"
فأمره تكفيرا لذنبه أن يتنازل عن ملكيته للبعير، ويتركه طليقا في أرض الله، لماذا؟ حتى يلقن أصحابه درسا ألا يسبوا أحدا ولا يلعنوا شيئا، وقال صلى الله عليه وسلم عن ربه لمن يسب الأيام، ويسب الدهر، ويسب الشهور والسنين، يقول الله تعالى ط لا تسبوا الجهر فأنا الدهر، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" فجعل المسلم نطقه حكما، وكلامه حلما، وخلقه جمالا ومعاملته كمالا، وإن من الموانع للنخوة والشهامة، هو الذل، والهوان وضعف النفس، فالإنسان الذليل والأمّة الذليلة أبعد الناس عن النصرة، وتلبية نداء الإغاثة ففاقد الشيء لا يعطيه، وأيضا من الموانع للنخوة والشهامة، وهو الحقد والعداوة والبغضاء، وتشبه الرجال بالنساء في اللباس كلبس الذهب والحرير، وقد قال ابن القيم حرّم الذهب لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث.
وضد الشهامة والرجولة، وإن هناك حادثة تبيّن لنا شهامة عثمان بن طلحة رضي الله عنه، حيث تقول السيدة أم سلمة رضي الله عنها " وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت ففرّق بيني وبين زوجي وبين ابني، قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة، فقد فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت فقالوا الحقي بزوجك إن شئتي، قالت وردّ بنو عبدالأسد إليّ عند ذلك ابني، قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت وما معي أحد من خلق الله، قالت، قلت أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبدالدار.
فقال أين يا بنت أبي أمية؟ قالت أريد زوجي بالمدينة، قال أوما معك أحد؟ قلت لا والله إلا الله وابني هذا، قال والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، فقال اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازلا، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
قال وكانت تقول ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة" فمَن منا لم يسمع بكلمة نخوة، فإذا حصلت مصيبة قال فلان أنا أعين أصحاب تلك المصيبة على مصيبتهم، فيجيبه رفيقه والله إنك فعلا رجل عندك نخوة، وإذا ما تقاعس فلان آخر من الناس عن مساعدة أناس هو قادر على مساعدتهم قيل له أليس عندك نخوة يا رجل؟ عيب أن تقف مكتوف اليدين فلا تساعدهم؟
التعليقات الأخيرة