بقلم: خلود هيثم
ننظر حولنا كل يوم، فنرى مشاهد لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبها. إنها ليست مجرد تناقضات، بل هي صفعات قوية على وجه المنطق، وكأننا نعيش في عالم انقلبت فيه الموازين رأسًا على عقب، وأصبح فيه المظهر الخادع أغلى من الجوهر الأصيل.
كيف يمكن لحارس بنك يحمي ملايين أن يعيش على بضعة آلاف، بينما حارس المرمى الذي يحمي شبكة فارغة، يُكافأ بعقود بالملايين؟ إنها معادلة سخيفة. قيمة حماية المال، الذي هو عصب الاقتصاد، أقل بكثير من قيمة لعبة! هل أصبح الترفيه أهم من الاستقرار الاقتصادي؟
وعندما ننتقل إلى عالم العلم والدين، تزداد المهزلة. حافظ القرآن، الذي يحمل في قلبه ونفسه كلام الله، يُكافأ بجائزة لا تكاد تذكر. وفي المقابل، نجد المطرب، الذي يتاجر بالصوت والكلمة، يغرق في الملايين. هل هذا هو قدر المعرفة والإيمان في زمننا؟ هل أصبح صوت "اللا شيء" أعلى من صوت الحق؟
أما التعليم، فحدث ولا حرج. أستاذ الجامعة الذي يكرس حياته لبناء عقول الأجيال القادمة، يتقاضى راتبًا لا يليق بقيمة ما يقدمه. وفي المقابل، يتقاضى المطرب في ساعة واحدة أجرًا يفوق ما يكسبه الأستاذ في عام كامل. هل أصبحنا نُقدس الاستهلاك على حساب البناء؟
نحن نعيش في عالم تُدفن فيه المبادئ تحت أطنان من الماديات. نُشيع الموتى بمبالغ هائلة، بينما كانوا على قيد الحياة بحاجة لجزء بسيط منها. نسعى لزواج العاقل حتى يتعلم العقل، ونطلب الخبرة للتوظيف دون أن نوفر فرصة لاكتسابها. نغسل الصحون بـ "ليمون طبيعي" بينما نشرب "نكهات صناعية".
هل وصلنا إلى نقطة اللا عودة، حيث أصبح الجنون هو السائد، والمنطق هو الاستثناء؟
التعليقات الأخيرة