متابعة حامد خليفة
مازالت سوريا بعيدة عن السلام، تعاني من فراغ سلطة معقد عقب سقوط نظام الأسد وتوترات عرقية ودينية عنيفة، يعتمد أمل إعادة الإعمار على شبكة من العلاقات الإنسانية ومشاريع شعبية ملموسة، هذه هي الصورة التي انبثقت من جلسة "جراح سوريا" ضمن فعاليات ملتقى ريميني، والتي تضمنت تحليلات جيوسياسية وروايات مباشرة من جياكومو جينتيلي وجان فرانسوا ثيري من جمعية برو تيرا سانتا.
أدى تقدم جماعة هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع، إلى تشكيل حكومة مؤقتة جديدة، بدعم من عدة قوى غربية أعادت فتح سفاراتها. ومع ذلك لا يزال الإستقرار بعيدًا.
سلّط جينتيلي الضوء على التوترات العالقة: مقاومة المكون الكردي في الشمال الشرقي، والقمع الوحشي للأقلية العلوية على الساحل، والصراع الأخير في الجنوب مع الطائفة الدرزية، والذي دفع إسرائيل للتدخل العسكري في يوليو/تموز 2025. في هذا السياق، يُصبح الإهتمام بحماية الأقليات، بمن فيهم المسيحيون، أمرًا بالغ الأهمية.
وأوضح جينتيلي: "نتساءل عما إذا كانت هذه المجموعة، التي لا تزال عريقة، قادرة على ضمان الديمقراطية، والأهم من ذلك، حماية الأقليات داخل البلاد".
ثم إستشهد بشهادة أسقف حلب، الأب حنا، الذي شارك في صياغة الدستور الجديد، والتي عارض بشدة إقتراح أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا.
وقال الأسقف: "لا أريده أن يكون مسيحيًا، أريده شخصًا كفؤًا، شخصًا يتمتع بمؤهلات صالحة، لأنه من المهم أن يُكتب الأمر بهذه الطريقة، لأنه يُمثل علامة على أننا نفعل شيئًا للجميع".
في ظل هذا الدمار وعدم اليقين، تعمل منظمة "برو تيرا سانتا" منذ عام ٢٠١٥، بمشاريع إنسانية تتراوح بين توزيع الغذاء والدواء وتركيب ألواح شمسية لمعالجة النقص المزمن في الكهرباء، ولكن في لقاء الناس، تبرز "الأحجار الجديدة" الحقيقية. روى جنتيل مشاعر أرمل مُسنّ يحصل، بفضل لوح شمسي، على بضع ساعات إضافية من الضوء يوميًا: "يُداعب صندوق الكهرباء ويقول لي: 'الله لا يتخلى عنا أبدًا'".
ومن الأمثلة الإستثنائية على هذا النوع من البناء المشروع الذي وُلد في شرق حلب، حيث لجأ المفتي السني إلى الرهبان الفرنسيسكان لمساعدة أكثر من ٢٠٠٠ طفل يتيم، غالبًا من أبناء الجهاديين، الذين رفضهم الجميع. ومن هذا التعاون، وُلدت شبكة من مراكز الإستقبال وصداقة غير متوقعة.
قالت الدكتورة بينان، وهي أخصائية نفسية مسلمة تقود المشروع: "بدأنا لأننا رأينا حاجة، ولكن على مر السنين أصبحنا متعاونين وأصدقاء، ولذا أريد أن أفعل أكثر من ذلك بكثير".
روى جان فرانسوا ثيري، الذي أمضى عامين في حلب، كيف أن أول "جرح" أصابه كان إيمان المسيحيين السوريين الراسخ الذي التقى به عام ٢٠١٧. وقال في شهادته: "رأيت أناسًا، مسيحيين، كان إيمانهم أهم من الحياة".
ألهمته هذه التجربة أن يكرّس حياته لهؤلاء الناس. وأشار ثيري إلى أن السلام الحقيقي يُبنى بإختيار اللقاء حتى لو كان كل شيء يؤدي إلى الكراهية.
وروى قصة رحلة في الحافلة، حيث جلس بجانب جندي متطرف، ولقاء مع طالب طب شاب من دوما، اعتقلته قوات الأسد وعذبته لمدة ثلاث سنوات.
وعندما سُئل عما إذا كان لا يريد الإنتقام، أجاب الشاب: "لا، لأن الإنتقام لا يجلب إلا المزيد من العنف، ولم نعد نحتمل العنف.
بالنسبة لنا نحن المسلمين، منصوص عليه في القرآن: يجب أن نسامح". واختتم ثيري كلمته قائلاً: "إن هذا اللقاء يوضح كيف أن بناء السلام يبدأ برغبة شخصية في النظر إلى وجه الآخر، والتغلب على الخوف واختيار الخير".
التعليقات الأخيرة