بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ومصطفاه، دعا إلى الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد، لقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ننتقي الأزواج فنختار الأفضل منهن، صاحبة الدين والخلق، قال صلى الله عليه وسلم "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" ومعنى ذلك ان الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها واحرص على صحبتها والزواج منها، فإختيار الزوجة الصالحة أول خطوات السير الصحيح لبناء الأسرة القوية المتحابة المترابطة، القادرة على تنشئة الأبناء نشأة سليمة.
حيث تربيهم على أدب الإسلام وتصقلهم بالإيمان وبمثل هذه الأسرة يقوم المجتمع كله على أساس كريم وبناء متين، يضطر كل من يعيش فيه أن يتخلق بعاداته ويتأدب بآدابه، ولما كانت تربية الأطفال هي الخطوة الأولى التي تبدأ بها الأسرة مهماتها، لذا فلابد من العناية التامة بتلك الغراس الصغيرة واللبنات اللينة حتى تشب على أساس متين وفكر سليم وسلوك قويم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "كفى بالمرء اثماً أن يضيع من يعول" ولقد اعتنت الشريعة الإسلامية بدين المخطوبة، وأخلاق الخاطب؟ ويعود السبب إلي أن صاحبة الدين وصاحب الدين، رقابتهما ذاتية وهي مراقبة الله عز وجل، وبسبب هذه الرقابة يستشعران ضرورة حُسن العمل لأن صاحبه محاسب عليه، وأقوى أنواع الرقابة هي الرقابة الذاتية.
وهي أقوى وازع للسلوك الإنساني لعمل الخير، كما أنها أقوى رادع له عن مسالك الشر، والمقصود بالدين في مواصفات المخطوبة أو الخاطب هو الدين الصحيح الثابت عن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم في سنّته الصحيحة، وليست تلك المفاهيم الشخصية للأفراد أو تلك العادات الخاطئة التي ينسبها البعض إلى الإسلام وهي بعيدة كل البعد عنه، والمقصود بالخُلق في تلك الوصية النبوية الشريفة هو كل ما يتخلق به الإنسان في تعامله مع الآخرين طوال حياته في جميع جوانبها، وليس ما يتظاهر به أمام الآخرين، ويخالف سلوكه داخل بيته ومع أهله، فحقيقة خُلقه هي ما يغلب على سلوكه ظاهرا وباطنا، وليس عيبا ولا محرّما أن يرغب في المرأة المخطوبة الغنى والجمال والنسب، لكن قول النبي صلى الله عليه وسلم.
" فاظفر بذات الدين تربت يداك" يحدد المعيار الذي يجب أن تبنى عليه الأولويات مع ملاحظة أنه الأساس المتين الذي تقوم عليه الرابطة الزوجية وبه أيضا تدوم، ثم تأتي المعايير بعده تباعا، وهذه المواصفات في الإسلام لبناء اللبنة الأولى لأسرة المستقبل مرتبطة تمام الإرتباط بمنهج الإسلام في الحياة وطريقة بنائها، وإرتباطها بخالقها وبمنهجه القويم الذي يريد للإنسانية أن تسير عليه، وواقع المجتمعات المعاصرة يؤكد صحة هذا المنهج وأفضليته، كما أنه يحقق الوقاية للأسرة والمجتمع، ونظرة فاحصة لحال الأسرة في العالم اليوم تؤكد أهمية هذه المعايير التي أكدها الإسلام لبناء الأسرة، ولا يقف الأمر عند هذه المعايير لتكوين الأسرة بل تستمر مصاحبة الإسلام لهذه الأسرة لتضع موازين العلاقة والسلوك فيما بين الزوجين.
ثم ما بين الأبوين والأبناء في مرحلة تالية، وكذلك العلاقات داخل الأسرة وخارجها، وهكذا في كل شؤونها لتمتد تلك العلاقات حتى تشمل المجتمع وتنتظمه كاملا، وبقدر إمتثال الأسرة لتلك المعايير الأخلاقية بقدر ما تتم صيانة المجتمع، وتزيد نقاوته ومثاليته، وبرغم تخلي كثير من المسلمين عن كثير من المعايير الأخلاقية التي دلهم عليها الإسلام إلا أنهم ما زالوا أفضل حالا في جانب الأسرة من المجتمعات غير المسلمة بكثير، فكيف سيكون الحال لو تمسكوا بمعايير دينهم بشكل أكبر؟
التعليقات الأخيرة